عقدت «مجموعة عمل الدين والعلوم»، التي تعمل ضمن مبادرة علم الكلام الإسلامي، اجتماعها الأول في المرصد الفلكي بمدينة «ليون» بجمهورية فرنسا يوميّ السابع والثامن من يونيو 2014؛ وقد قام بتنظيم هذا الملتقى مؤسسة «كلام للبحوث والإعلام» بالتعاون مع مؤسسة «جون تمبلتون» والمرصد الفلكي بمدينة «ليون» الفرنسية؛ حيث استضاف الدكتور (برونو جيدردوني)، مدير المرصد، فريق العمل على مدى يومين كاملين، وشارك مع مجموعة العمل في جلسات النقاش. وقد تم تقديم عدد من البحوث خلال هذه الفعالية؛ وجرت مناقشات تفاعلية أعقبت تقديم الأوراق البحثية حول القضايا الهامة التي تؤثر في العلاقة بين الدين والعِلم.
وخلال فعاليات الملتقى، قدَّم الدكتور (خالد شمشم)، الأستاذ بجامعة أوكسفورد، ورقة بحثية حول الخطاب المعاصر للدين والعِلم وألقى الضوء على الخطاب الأنجلو-أمريكي الذي تعود جذوره إلى المسيحية. وذكر الباحث أن التحدي الذي يواجهه المسلمون يتمثل في تأسيس ميتافيزيقيا إسلامية خاصة بهم، ومن ثم دراسة هذا الخطاب الراسخ في ضوء هذه الميتافيزيقيا، مع فرز عناصر الخطاب المرتبطة بالميتافيزيقيا المسيحية، والإستفادة من هذه العناصر في الخطاب، ومن ثم إدخال مساهماتنا الإسلامية بأسلوبٍ خلاّق. ويمكن التعامل مع بعض التحديات على هذا الصعيد من خلال الأمثلة التالية على سبيل المثال وليس الحصر:
- أن تكون هناك مشاركة إسلامية مع الخطاب الحالي من خلال الدفع بالتخصصات العلمية – كعلم الكونيات – ضمن مناهج البحث العلمي، وليس بالبحث في الخطابات القديمة كخطابات (بوبر)؛
- ينبغي أن تكون تلك المشاركة على دراية بالتعقيدات العلمية، والطبيعة المتعددة الإختصاصات للعلوم الحديثة؛
- أن تكون تلك المشاركة صادقة وملتزمة بالأسس الإسلامية، ولا تصر فقط على التشبث بالماضي.
وشَرَحَ الدكتور (سمير محمودسيهاجيك)، من المنتدى البوسني العالمي، أن الخطاب المعاصر لـ«الدين والعِلم» يعكس معضلة ظهرت على السطح كنتيجة للتخلي عن الأخلاق التقليدية؛ وأن مفاهيم «الدين» و«العِلم» أوجدت حدوداً مصطنعة اختزالية. وأوضح الدكتور (محمودسيهاجيك) أن الطريقة الأفضل للدخول في نقاشات ستكون من ناحية أنطولوجيا التمركز الإلهي الذي يفوق كلاً من الدين والعلم. كما أكد على أهمية الإحتفاء بالتراث المحلي والسماح بتنوع الردود في النقاشات محددة السياق التي تنشأ من الحوارات التي تجري ضمن المجتمعات المحلية.
وقدم الدكتور (باسل الطائي)، من جامعة اليرموك في الأردن، عرضاً تقديمياً تناول فيه التطور التاريخي للتراث الكلامي، حيث شَرَح سمات التنوع في وجهات نظر مؤلفيه، والتمييز التاريخي بين «دقيق الكلام» أو النظرية الإسلامية في الطبيعة، وبين «جليل الكلام» أو الرؤى اللاهوتية للذات الإلهية وصفات الخالق عز وجل، وأكد الدكتور (باسل الطائي) أنه بالقدر الذي ظهرت فيه اختلافات تاريخية كبيرة في «جليل الكلام»، كان هناك اتفاقات كبيرة في «دقيق الكلام»، وأن العديد من نتائج «دقيق الكلام» مثل حدوث العالم المادي وانفصاله الحقيقي توافق الفيزياء الحديثة، ومن خلال مواكبة «دقيق الكلام» للعلم الحديث، يمكن أن يكون لدينا مشاركات دينية جوهرية مع العلوم، بل أيضاً بمقدورنا تجديد التراث الكلامي، وذلك بأن نؤسس «جليل كلام» جديد يتجاوز الخلافات التاريخية.
وقدم الدكتور (جانر تاسلامان)، من جامعة (يلديز) التقنية في اسطنبول، عرضاً تقديمياً تطرق فيه إلى حاجة المسلمين إلى أن تكون لديهم مشاركات فلسفية للقضايا الدينية والعلمية الملحة في هذا العصر، وبخاصة نظرية النشوء والتطور، والموجة الإلحادية، والمعجزات. وقال أيضاً أن المسلم ينبغي أن يعرف دينه حق المعرفة في المناقشات الدائرة حول الدين والعلم بما يعضد أواصر التعاون بين المسلمين على نطاق واسع لتجاوز الطائفية؛ وتقديم التعريفات الواسعة التي تنص على الإلتزام بالتوحيد، ونقد «العلموية». ومن ناحيةٍ أخرى، قد يجد الباحث أرضية مشتركة مع الباحثين من غير المسلمين يمكنه من خلالها الإستفادة من أعمالهم البحثية، مع التركيز على العمل في مجاليّ الفلسفة والعِلم بشكلٍ أكثر فاعلية.
وقدم الأستاذ (إينيس دوكو)، من جامعة «كوتش» باسطنبول، ورقة بحثية حول «حجة التوافق الدقيق للكون» في ضوء الملاحظات التمهيدية للدكتور (جانر)، حيث قدم فيها الحجة الكونية، وأتبعها بعرضٍ تقديمي عن معارضة حجة فرضية الوجود متعدد الأكوان للحجة الكونية، وتلى ذلك ردود من بعض المشاركين حول ذلك الإعتراض وتوضيح كيف أن الفرضية الثانية تدعم حجة التوافق الدقيق والإيمان بالوحدانية بشكلٍ عام.
ثم ألقى الدكتور (برونو جيدردوني)، مدير المرصد الفلكي بـ«ليون»، محاضرةً حَدَد فيها المكونات المعاصرة للخطاب الإسلامي في الدين والعلِم على النحو التالي:
- اكتشافات علمية معاصرة حول الحجم الهائل للكون، وبدايته الزمنية
- الإمكان والصدفة من منظورٍ إسلامي
- الإسترشاد والإستنارة بجهابزة علم الكلام والفلسفة الأولين
- الإنسان ووحدة الوجود في فِكر ابن عربي
- دروس من تاريخ العِلم الحديث تُقِّر بفضل المساهمات التاريخية الإسلامية
- مقدمة لمفاهيم عصر مابعد الحداثة في العلوم
- جرعة مفيدة من «لا أعلم»
وقد ألقى السيد (حمزة كرم علي)، من مؤسسة «كلام للبحوث والإعلام»، محاضرةً أوضح فيها أهمية التراث الكلامي في مواجهة تحديات العلوم الحديثة للعقيدة الدينية، وقال أن المتكلمين شبهوا النص بالضوء فيما شبهوا العقل بالعين. فالنص يوضح الحقيقة، ومن ثم يسمح للعقل بالإجتهاد للوصول إلى الحقيقة. ثم قدم نظرية المعرفة التي تجمع بين الدين والعقل عند المتكلمين، وأوضح كيفية استخدامها في النقاشات الفلسفية المعاصرة مع العلماء التجريبيين (بالتركيز على السببية) والملحدين (مع التركيز على «مبرهنة توماس بايز») والمنهج الذي ربما استخدمه المتكلمون لمعالجة نظرية النشوء والتطور؛ وأكد أن التراث الكلامي مهم، وأن له مساهمات قيَّمة للعمل عليها، وأنه ضروري للمسلمين في النقاشات الدينية العلمية المعاصرة من خلال التحاور وليس بغض الطرف عنه وكأنه غير مهم.
هذا ويعكف المشاركون في الملتقى على الإنتهاء من عمل مجلد يتضمن الأوراق البحثية التي تم تقديمها.