مع اقتراب اختتام مرحلة السنوات الثلاث الأولى من مبادرة التراث الكلامي الإسلامي، استضافت مؤسسة كلام للبحوث والإعلام، بالعاصمة الأردنية عمان، حلقة عمل حول «الفلسفة المعاصرة والعلاقة بينها وبين العلوم التجريبية والكلامية» في الفترة من 4 إلى 10 يناير 2016 ، وذلك بالتعاون مع مؤسسة (جون تمبلتون) العالمية. واستندت ورشة العمل المُشَار إليها إلى خبرة تراكمية مكتسبة من خلال مبادرتين: الأولى كانت عبارة عن دورة مكثفة عُقِدَت بمدينة اسطنبول التركية وتناولت علم اللاهوت التحليلي، والثانية كانت من خلال المنظور الكوني لعلم الكلام، وعقِدَت بمدينة «توبنغن» الألمانية. وكان الهدف من هاتين المبادرتين البدء في نقاشات وحوارات مكثفة حول مواضيع في الفلسفة المعاصرة ضمن الأوساط العلمية التقليدية.
وحضر ورشة العمل التي أقيمت في عمان كل من فضيلة الشيخ الدكتور سعيد فودة، وهو أستاذ وعلامة ومحقق أردني وأحد أبرز الباحثين في علم الكلام، والأستاذ الدكتور جمال فاروق، عميد كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر بالقاهرة، والشيخ محمد صالح الغرسي، من رواد المتكلمين وكبير الباحثين في مدرسة الفلاح في قونيا بالجمهورية التركية، والشيخ المهندس بلال النجار، كبير الباحثين في علم المنطق والعقائد في الأردن، والدكتور عمران محمد مدير مركز الدراسات الإسلامية والإستراتيجية وأستاذ علم الكلام بجامعة ملايو الماليزية، والدكتور ابراهيم شعيب، ويعمل أستاذاً محاضراً بجامعة الأزهر في القاهرة، وفضيلة الشيخ مصطفى ثابت، ويعمل باحثاً بدار الإفتاء المصرية في العاصمة المصرية. كما شارك في الفعاليات كل من الشيخ (مأشوك يماج) وهو كبير أساتذة علم الكلام والعلوم العقلية بمؤسسة اسطنبول للتعليم والبحث العلمي، والدكتور أمجد رشيد، وهو أستاذ ورئيس قسم بجامعة العلوم الاسلامية العالمية بماليزيا، والأستاذ الدكتور وليد شاوش البروفيسور أستاذ علم الفقه بجامعة العلوم الاسلامية العالمية بماليزيا، وفضيلة الشيخ عبدالرحمن الإدريسي، ويعمل باحثاً وأستاذاً محاضراَ بمعهد المعارج للدراسات الشرعية في عمّان، وفضيلة الشيخ محمد أبوغوش ويعمل أستاذاً للعقيدة والمنطق في معهد المعارج للدّراسات الشّرعيّة ، وباحثاً في علم الكلام.
لقد كانت الأيام من الاثنين 4/1/ 2016 إلى الخميس7/1/2016 صحبة الأستاذ منصور مالك الذي يحضر الدكتوراة حالياً بجامعة (وارويك) بالمملكة المتحدة ، والأستاذ حمزة كرم علي من مؤسسة كلام للبحوث والإعلام وتمّ فيها عرض جملة من المواضيع في الفلسفة الغربيّة، ومناقشتها، وتحديد معضلاتها، وتعريفاتها، وهياكلها، ومنها ميتافيزيقيا السببية، ومعضلة الشر، ودليل الإتقان والعناية، ونظرية المعرفة الحديثة وغيرها من المباحث الفلسفية المعاصرة. وأعقب كل عرض تقديمي فتح باب النقاش والرد بين الباحثين والعلماء المشاركين الذين تعاونوا مع مديريّ الجلسة مما أثرى النقاش باتجاه فهم وتحليل المكون الفلسفي المعاصر ومناقشة القضايا التي يطرحها في ضوء التراث الكلامي الإسلامي العظيم. وقد أشعل ذلك حماس الحضور الكرام وأسهم في رفع درجة التفاعل وكان الشيخان الجليلان محمد صالح الغرسي وبلال النجار من أكثر الحضور إسهاماً في هذه الحلقة.
أما يوم السبت الموافق 9/1/2016 فقد ألقى الأستاذ الدكتور عارف النايض – مؤسس ورئيس مؤسسة كلام للبحوث والإعلام – محاضرةً سلط فيها الضوء على علم الكلام المعاصر، ودور مؤسسة كلام للبحوث والإعلام في إحياءه، والربط بين المتخصّصين والباحثين والعلماء؛ كما تحدث عن أهمية الحوارات الفلسفية والحضارية في إحياء التراث الكلامي الإسلامي. كما ألقى الدكتور باسل الطائي أستاذ الفيزياء الكونية بجامعة اليرموك الأردنية محاضرة بعنوان «علم الكلام وكلام العلم» تحدث فيها عن ضرورة تعلم العلوم الطبيعية، وعلاقة الكوزمولوجيا المعاصرة بعلم الكلام؛ فيما ألقت الدكتورة رنا الدجاني أستاذة علوم الأحياء الجزئية في الجامعة الهاشمية محاضرة تحدثت فيها عن الخلايا الجذعية، والتطور البيولوجي، وأهمية تضافر الجهود بين العلماء والباحثين وعلماء الدين. وألقى البروفيسور (دافيد فورد) أستاذ ورئيس قسم سابق في العلوم الدينية واللاهوتية بجامعة كامبريدج البريطانية محاضرة تناول فيها الدراسات الدينية على الصعيد الأكاديمي؛ فيما حاضَرَ البروفيسور (نيكولاس أدامز) – أستاذ علم اللاهوت الفلسفي بجامعة بيرمنجهام – عن العلاقة بين الفلسفة وعلم اللاهوت في الجامعات الغربيّة. وقام الأستاذ الدكتور عارف النايض بترجمات فورية عديدة أسهمت في توطيد وترسيخ التواصل وانجاج التفاعل بين أعضاء الوفود المشاركة.
وبتاريخ العاشر من يناير (كانون الثاني) 2016، ألقى الدكتور عارف النايض عرضاً تقديمياً تناول الهرمونطيقيا، وهي المنهجيّة الأساسية للعلوم الإنسانية وعلاقة هذا العِلم الحديث بالعناصر العقلانية والروحية ضمن التراث الفكري الإسلامي. وتلى المحاضرة عرضان تقديميان مهمان حيث تناول الشيخ بلال النجار مسألة العلاقة بين العلوم الحديثة وعلم الكلام، بينما تناول الدكتور سعيد فودة أهمية مشروع إحياء التراث الكلامي الإسلامي الذي تضطلع به مؤسسة كلام للبحوث والإعلام، واقترح عدة اتجاهات فلسفية بالخصوص. وقد أُختمت ورشة العمل باستنتاجات ختامية أدلى بها الدكتور جمال فاروق، عميد كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر، الذي أكد على أهمية حلقات العمل في إحياء علم الكلام، وعَرَضَ خطة من خمس خطوات لتحقيق التواصل الفكري بين علم الكلام والفلسفة الحديثة، كما دعى مؤسسة كلام للبحوث والإعلام إلى عقد ورش عمل مماثلة في جمهورية مصر العربية.
وعلى امتداد فعاليات حلقة العمل، قدم العلماء المشاركون مشورتهم وخلاصة خبرتهم، وعبروا عن مؤازرتهم ودعمهم لمؤسسة كلام للبحوث والإعلام في رسالتها النبيلة، كما اقترحوا أساليباً للأبحاث العلمية المستقبلية والتعاون المؤسساتي. وسوف تشكل هذه الاقتراحات، جنباً إلى جنب مع الروابط التي ترسخت في حلقة العمل، الأساس لمرحلة ثانية مدتها ثلاث سنوات من مشروع إحياء تقاليد وتراث علم الكلام الذي أخذت المؤسسة على عاتقها النهوض به.